الإعلان الأهم
لعله
سيكون أهم إعلان علمي تم في عام 2016 بلا استثناء حتى لحظتنا هذه. فيبدو
أن العلماء على وشك الإعلان عن أنهم تمكنوا بالفعل من ملاحظة أمواج
الجاذبية، أو ما نصفه بالتموجات الحادثة في الزمكان.
لماذا هو الإعلان الأهم؟ ببساطة لأنه سيغير نظرتنا بشكل كامل للكون من حولنا، يغير من طبيعة فهمنا للكون.
وإذا ما تم بالفعل رصد هذه الموجات، فسيوفر هذا الأمر طريقة جيدة
للنظر إلى أبعد وأقدم المناطق في هذا الكون اللامتناهي. فهذه الموجات تنطلق
من بعض الأجرام السماوية مثل الثقوب السوداء منذ بداية الزمن نفسه. وستؤدي
دراسة هذه الموجات المنطقلة منها إلى عرض نظرة ثاقبة على الكون في
بداياته.
أينشتاين كان قد تنبأ بوجود هذه الموجات بالفعل، لكن لم يتمكن أي
شخص من رصدها وتأكيد وجودها. وكان عدد من الشائعات قد طفا إلى السطح في
الآونة الأخيرة أنه تم بالفعل رصد هذه الموجات. وقد بدأت هذه الشائعات مع
بداية الشهر الماضي وتحديدًا عندما قام أحد العلماء واسمه لورانس كراوس،
بكتابة تغريدة على حسابه الرسمي على تويتر يقول فيها إنه تم إخباره أنه تم
التأكد بالفعل من وجود موجات الجاذبية، وأنه سيتم الإعلان عن الأمر قريبًا.
وقد وصلت دعوة مؤخرًا لعدد من وسائل الإعلام لحضور مؤتمر صحفي
سيتم عقده خلال هذا الأسبوع. الدعوة قالت إن فريق العمل الذي يقوم بمحاولة
رصد هذه الموجات سيقوم بإخبار المجتمع العلمي ببعض المستجدات، وأنه سيقدم
تقريرًا للحالة.
وجاء في الدعوة أيضًا “هذا العام يقابل الذكرى المئوية لإعلان
ألبرت أينشتاين لأول مرة عن وجود موجات الجاذبية، وأنها شيء موجود نظريًّا
طبقًا لمعادلاته”.
موجات الجاذبية
وموجات
الجاذبية تمثل إحدى الظواهر غير المثبتة علميًّا، والتي تنبأت بوجودها
النظرية النسبية العامة منذ 100 عام. هذه الموجات لم يكن من الممكن أبدًا
قياسها أو ملاحظتها. وإذا ما صحت شائعات الإعلان عن رصد هذه الموجات فإن
نظرية أينشتاين ستكتمل أخيرًا بشكل علمي.
هذه الموجات هي نوع من الأمواج ينتج عن وجود أجسام فيزيائية
متسارعة، يمكن تشبيهها بالموجات الناتجة عن إلقاء حجر في بحيرة ساكنة من
المياه. وبالتالي فإن هذه الموجات هي موجات مستعرضة يكون فيها اتجاه انتشار
الموجة في نفس اتجاه اهتزاز الموجة نفسها. وتحمل هذه الموجات طاقة معينة
تنتقل عبر ما أطلق عليه الزمكان (أينشتاين اعتبر أن الزمن هو البعد الرابع
وبدأ يفسر كل ما حولنا طبقًا للأبعاد الأربعة وليس للأبعاد الثلاثة فقط،
وطالما أن الزمن بعد فيمكن أن تحدث فيه اهتزازات).
النظرية النسبية العامة توضح أن كل جسم له كتلة يسبب حدوث تغير أو
تشوه في الزمكان، هذا التشوه يكون على هيئة عمليات تمدد وانكماش متتابعة،
وبالتالي فإن كل جسم ذي كتلة يُحدث اهتزازات في الزمكان تسمى موجات
الجاذبية.
وحسب النظرية النسبية، فإن هذه الأمواج هي أمواج ضعيفة جدًّا من
الصعب جدًّا قياسها. فحركة الأرض حول الشمس على سبيل المثال تنتج أمواجًا
تعادل في طاقتها 2000 واط تقريبًا، وهي طاقة ضئيلة جدًّا مقارنةً بالطاقة
الموجودة على سطح الأرض، والتي تقوم بالتغطية على أمواج الجاذبية؛ مما
يمنعنا من إمكانية فصلها.
وكان عالما الفلك الأمريكيان جوزيف تايلور وراسل هالس قدما أدلة
في ثمانينات القرن الماضي تدعم وجود موجات الجاذبية. العالمان أشارا إلى
نجم نيوتروني يعرف باسم “هاسل تايلور”، كان جزءًا من نظام شمسي ثنائي، وأن
مداره قد تآكل بمعدل ثابت بالتزامن مع ضخه لموجات الجاذبية، وقد نال
العالمان جائزة نوبل على اكتشافهما هذا.
للمزيد عن موجات الجاذبية، اقرأ هذا التقرير.
كيف سيرصد العلماء هذه الموجات؟
قام العلماء ببناء نظام مخصوص لرصد هذه الموجات يسمى “مرصد الليزر المتداخل لموجات الجاذبية” أو “Laser Interferometer Gravitational-wave Observatory” ويعرف اختصارًا باسم ليغو “LIGO“.
مرصد ليغو موجود في منطقتين بالولايات المتحدة، المرصد الأول يوجد
في هانفورد، والمرصد الثاني يوجد في ليفينغستون. وقد تم إنشاء هذا المرصد
عام 1992 بواسطة العالمين رولاند ورينار ويس.
يعتمد هذا المرصد على محاولة رصد موجات الجاذبية من عدد من
المصادر مثل نواتج الانفجار العظيم، والتحام أجرام سماوية كبيرة مثل النجوم
النيوترونية والثقوب السوداء، وانهيار نجم على نفسه أو ما نطلق عليه اسم
سوبرنوفا، وغيرها من المصادر التي تنتج موجات جاذبية بطاقة عالية نسبيًّا.
المرصدان الموجودان في هانفورد وليفينغستون تبلغ المسافة بينهما
حوالي 3000 كيلومتر، وبسبب أن مواجات الجاذبية تنتشر بسرعة الضوء فيمكن
تحديد موقع مصدر هذه الموجات عن طريق حساب الفرق في وصول الموجة إلى كلا
المرصدين. كما يمكن بذلك فصل الضوضاء الأرضية التي تنتشر بسرعة الصوت مثل
الزلازل والهزات الأرضية.
ويتكون كل مرصد من أنبوبين طويلين متعامدين على بعضهما البعض
أفقيًّا، ويبلغ طول الأنبوب الواحد 4 كيلومترات، وكلاهما مفرغ من الهواء.
ويوجد عند تقاطع الأنبوبين مقياس تداخل ليزري. بينما جهاز التداخل الموجود
في هانفورد يختلف في أن طول الأنبوبين يبلغ كيلومترين فقط لكل منهما.
محاولة أخرى
يذكر أنه يوم 2 ديسمبر 2015، انطلق للفضاء القمر الصناعي التابع
لوكالة الفضاء الأوروبية والمعروف باسم “ليزا باثفايندر”. هذا القمر
الصناعي اتجه إلى مداره المحدد مسبقًا في الفضاء حاملًا معدات سيتم
اختبارها كمكونات لمرصد فضائي مستقبلي لموجات الجاذبية.
هذا القمر هو جزء من مشروع فضائي عرف باسم “ليزا”، لكنه الآن يعرف باسم “eLISA” والهدف
منه هو رصد موجات الجاذبية. الرصد سيتم عبر وضع مجسات في مدار حول الأرض
على بعد مليون كيلومتر عن بعضها؛ مما سيمكن من رصد عمليات التمدد والانكماش
بصورة أفضل، خصوصًا وأنه سيتم الرصد في هذه الحالة عبر التداخل الليزري
الذي يعطي دقة أكبر، لكنه يعاني من نفس نقائص طريقة التردد الذاتي والخاصة
بالتشويشات الموجودة على سطح الأرض.
فكرة هذا المشروع تتمركز حول تكوين مجموعة من ثلاثة أقمار صناعية
يتم ترتيبها على هيئة مثلث متساوي الأضلاع بطول مليون كيلومتر للضلع
الواحد، ويتم رصد المسافة بين هذه الأقمار بدقة للكشف عن مرور موجات
الجاذبية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق