الجمعة، 18 مارس 2016

الدكتورة رضوى فرغلي‎ تحليل النفسي لتصريحات المسئولين



التحليل النفسي لتصريحات المسئولين



"تكلم حتى أراك".. عبارة سقراط الشهيرة التي توضح أن الكلام، طريقة التعبير، انتقاء المفردات، الانفعالات المصاحبة، ولغة الجسد المُستخدَمة، كلها عناصر تساعدنا على رؤية الفرد من الداخل.

وقد تُخرجنا كلمة من مأزق، أو تهوي بنا إلى مستقبل مجهول، كما يقول عبدالله بن المعتز: رُبَّ أَلسنَةٍ كَالسُّيوُفِ.. تَقْطَعُ أعْنَاقَ أَصْحَابِها.

منذ أيام تمت إقالة وزير العدل المستشار أحمد الزند على خلفية هفوة كلامية خلال وجوده ضيفًا على برنامج "نظرة" في قناة "صدى البلد"، مساء الجمعة 11 مارس 2016. 

حين قال: "إذا لم يكن هؤلاء قد خلق السجن من أجلهم أمال السجون اتعملت عشان مين؟"، وسأله المذيع حمدي رزق: "تسجن صحفيين؟"، ليرد "الزند": "إنشاله يكون نبي.. استغفر الله العظيم يا رب.. المخطئ أيًا كان صفته، طيب ما القضاة بيتحبسوا!».

قبل أقل من عام أُقيل وزير العدل أيضًا المستشار محفوظ صابر على خلفية تصريحات عنصرية ومُهينة لشريحة مجتمعية وهي عمال النظافة، وليس الوزيران وحدهما من يخرج علينا من حين إلى آخر بتصريحات تعكس تكوينًا نفسيًا مشوّشًا؛ فمثلا ما الرسالة التي يريد أن يستوعبها الشباب حين يقول لهم وزير الشباب خالد عبدالعزيز: "كنت بزوّغ من المحاضرات، يعني ممكن تكون طالب فاشل وتطلع وزير عادي يعني"؟!

وما المعنى الذي يطرحه المتحدث الرسمي باسم وزارة التربية والتعليم عندما علق على حادث تفحم 18 طالبًا وإصابة 16 آخرين من جراء احتراق أتوبيس البحيرة، قائلا: "حادث البحيرة مكتوب عند الله عز وجل وهذا قدرهم"؟ إلا محاولة تبرئة نفسه وبقية المسئولين وإزاحة المأساة على شيء قدري، وتخدير مشاعر الناس بمفاهيم دينية ليخفف عن نفسه الشعور بالذنب!.

وثمة تصريحات تنطوي على مبالغات يكذبها الواقع، من عينة: "إن مصر تمتلك مستشفيات أفضل من مستشفيات بريطانيا" (وزير التعليم العالي د. السيد عبدالخالق)، و"مين اللي قال إن عندنا بطالة في مصر، إحنا ما عندناش" (خالد عبدالعزيز، وزير الشباب والرياضة)، و"إصلاح الطرق سيرفع معدل حوادث السير" (وزير النقل سعد الجيوشي)، و"ابقى تعالى وأنا أقول لك فين" (وزير الإعلام في حكومة الإخوان صلاح عبدالمقصود)، و"أنا عندي مشكلة بخصوص الموظفين "التخان" (وزير الثقافة السابق عبدالواحد النبوي). إضافة إلى تصريح "إللي مش هايشتغل هاضربه بالشبشب"! (وزيرة السكان د.هالة يوسف).

كلها تعبيرات تنم عن أزمة نفسية ومشاعر ارتباك وتشوش والافتقاد إلى الفطنة والكياسة اللغوية والقدرة على إدارة حوار متزن انفعاليًا. فتبدو وكأنها سمة لمعظم المسئولين الذين لم يتدربوا على "المؤهلات النفسية والاجتماعية والثقافية" للمنصب، ولم يدركوا أن الكلام إلى الشعب يستلزم تكوينًا نفسيًا وثقافيًا وقدرة على إدارة الذات والمشاعر في المواقف العامة وضبط الانفعالات وليس الكفاءة الوظيفية وحدها (إن توفرت).

كما يكشف تكرار الظاهرة مع وزراء ومسئولين، عن غياب المجال السياسي العام باعتباره عاملًا بيئيًا يُنمي الاستعداد الشخصي ويُساعد على اكتساب القدرة على إدارة الحوارات والمناظرات، وهو ما كنا نراه في شخصيات سياسية مصرية تكونت وصعدت ضمن مجال العمل العام مثل مصطفى النحاس أو مكرم عبيد أو رئيس الوزراء الأسبق فؤاد محيي الدين، بينما معظم المسئولين حاليًا يتولون مناصبهم "السياسية" باعتبارها مجرد "ترقية وظيفية".

ومع كامل الاحترام للأشخاص في حال السواء والمرض، إلا أن السلوك العام يكتسب دلالته النفسية من تكراره، إذا يُنبئ بحفر الفكرة عميقًا في "لاشعور الإنسان"، ما يستوجب التوقف قليلًا بالتفسير والفهم، على أمل أن يساعد ذلك صانع القرار في اختيار الأفضل لمناصب الدولة فيما بعد، وبالتركيز على تصريحات المستشارين صابر والزند، باعتبارها الأكثر خطورة، نظرًا لمكانتهما الوظيفية التي تؤهلهما لسن قوانين وتشريعات واتخاذ قرارات من شأنها أن تتحكم في مصائر الناس، وتكريس فجوة طبقية تزيد من حدة العدوانية المتبادلة بين فئات المجتمع.

والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الدوافع النفسية التي تقف وراء مثل هذه التصريحات؟!

1) من يركز قليلا في مثل هذه المقابلات التليفزيونية، يلاحظ التوتر والقلق النفسي الذي يبدو خلال الكلام، والارتباك في لغة الجسد والتحدي في نبرة الصوت.

2) هذا النمط، غالبًا ما يكون لديه مزاج عصبي، ومن السهل أن ينزعج ويظهر عليه الاستياء، ونوبات غضبه لا تتناسب وحجم الضغط الموقفي الذي يتعرض له.

3) ثمة مشكلة في ضبط النفس من ناحية العواطف أو السلوكيات التي تنتهك حقوق الآخرين، وقد يتعمد في مواضع كثيرة إغضاب من حوله، وكأنه بطريقة ما يعاقبهم.. وهذه السمات (وفقًا للدليل التشخيصي الخامس للأمراض النفسية) تتقاطع مع أعراض الاندفاعية واضطراب التحكم وضعف القدرة على ضبط النفس وانخفاض السيطرة في الانفعالات .(الشهيد سيقابله ألف رأس من الإرهابيين) "الزند".

4) نوع آخر من الأعراض يتجلى في بعض التصريحات، هو الشعور بالعظمة وتضخم الذات والإحساس الفوقي (نحن هنا على أرض هذا الوطن أسياد، وغيرنا هم العبيد، إللي هايحرق صورة قاضي هايتحرق قلبه وذاكرته وخياله من على أرض مصر) "الزند"، (سيظل تعيين أبناء القضاة سنة بسنة، ولن تكون قوة في مصر، تستطيع أن توقف هذا الزحف المقدس إلى قضائها) "الزند".

5) الاعتقاد بأنه مميز، لديه شعور بالصدارة وتوقعات بمعاملة تفضيلية، والمطالبة بالامتثال التلقائي لهذه التوقعات. (لو مكنش القضاة هما اللي يصيفوا فى شرم الشيخ مين اللي يصيف هناك) "الزند"، (القاضي له وضعه الاجتماعي الرفيع، ولابد أن يستند إلى وسط محترم ماديًا ومعنويًا، وابن "الزبال" له وظائفه المناسبة له، القاضي لازم يكون من وسط مناسب وليس "تحت قوي) "محفوظ صابر".

6) الافتقار للتعاطف وغالبًا ما يقاوم نفسيًا الاعتراف بحاجات الآخرين أو تفهم مشاعرهم (المصري يستطيع أن يعيش بــ " 2 أو 3 جنيه ولا تفرق معاه) "الزند".

7) محاولة تغليف أفكاره بمنطق ما، وإن كان مغلوطًا أو ينقصه الدقة العلمية. (نشأة ابن عامل النظافة في بيئة فقيرة لن تجعله مؤهلًا ليكون قاضيًا، وإذا أصبح قاضيًا فسيتعرض لأمراض نفسية تؤثر على عمله ولن يستمر في هذه المهنة) "محفوظ صابر"، وبالطبع هو كلام مرسل ومردود عليه علميًا بما يدحضه ويفرغه من محتواه التبريري والعنصري، لكن المقام لا يتسع هنا لذلك .. وهذه الأعراض تتقاطع مع اضطراب الشخصية النرجسية.

8) إزاحة مشاعر غضب كامنة تجاه النماذج الوالدية، وعنف غير مبرر على المجتمع الذي يراه دون المستوى ومسئولًا عن كل المشكلات، دون قدرة حقيقية على توجيه الاتهام مثلا لرموز ومؤسسات دولة لا تقدم شيئا لمواطنيها، وهنا هو يهاب النماذج القوية، ويستقوي على الأخرى الضعيفة، كما في حال التفكير في إصدار (تشريع ملحق لقانون الإرهاب يعاقب الأب أو الأم، أو متولي التربية، الذين يتركون أبناءهم يهاجرون ويتغيبون، ويقولون إنهم لا يعرفون عنهم شيئًا؛ لأن هؤلاء "مجرمون سلبيون"، و"الذي يترك ابنه، أو من عُهِد إليه بتربيته دون أن يتفحص أحواله، وأين ذهب، ولا يعرف مصيره، فهذا ساعد ولا شك في الجريمة الإرهابية)"الزند".

والوقائع (التصريحات) تهم فقط كاستدلال وليس في ذاتها هي وأصحابها، ومن خلالها نستطيع أن نلقي الضوء على طبيعة "النرجسيين" خصوصًا إذا جلسوا على كرسي سُلطة، حتى نعي خلفيتهم النفسية.. فهذا النمط النرجسي في الغالب نتيجة لعلاقة باردة غير متعاطفة وغير ثابتة مع الأبوين في مرحلة الطفولة الأولى، والشخص النرجسي يعامل الآخرين كما لو كانوا امتدادًا له، وبالطبع لن يختار هذا "الامتداد" ممن يراهم أقل منه وضعًا، هؤلاء يجب تقليص وجودهم في الحياة أو التخلص منهم إن أمكن! والنرجسيون ينقصهم احترام الآخرين؛ لأنهم يحاولون تعظيم أنفسهم دائمًا، لذلك الشخص النرجسي "غير لائق نفسيًا" لتقلد مناصب مهمة؛ لأنه مع الوقت يفسد كل شيء، والتاريخ مليء بهذه النماذج.

وتعد النرجسية مرحلة من مراحل التطور النفسي، المفترض أن ينتقل فيها الإنسان من التمركز حول ذاته إلى التمركز حول الآخرين أيضًا ليحقق النضج. لكن حين يتعثر نفسيًا في طفولته ولا يحظى بتنشئة سليمة انفعاليًا، فإنه يعاني "جوعًا عاطفيًا"، يظل مثبتًا نفسيًا عند مرحلة نمو أولية وغير ناضجة، وبالتالي يحاول تعويضها طول العمر، سواء كان واعيًا بذلك أم لا.

وغالبًا يكون الشخص النرجسي مفتقدًا لاشعوريًا للرضا عن نفسه ويحس بعدم الأمان الداخلي والاحتياج إلى التعظيم الملاصق للإحساس بالنقص، ويتبنى معايير وقيّمًا قاسية وغير منطقية ويتعامل مع الآخرين بعدم رحمة. ونجده دائما في احتياج لطمأنة نفسه وحمايتها من أي تهديد يتصوره، وأن يؤكد دومًا ثباته الشخصي المفقود، وهذا غالبًا يرجع لكونه غير محبوب في طفولته (أو هكذا يشعر داخليًا أو يتصور)، فأصبحت طاقة الحب لديه موجهة نحو ذاته فقط كتعويض دائم وخوف متجدد من الفقد وقلق الانفصال، وأمام أي مشكلة أو مصدر غضب يستشعر العجز الداخلي فيحاول تعويضه بغضب مبالغ فيه نتيجة "إصابة قديمة في تقديره لذاته".. فكيف يدير مؤسسة أو دولة؟ ويتحكم في ملايين البشر؟

وفي النهاية، هل تصرفت الحكومة بأسلوب مناسب؟

1) هذه نقطة خطيرة أخرى، لو أن المستشار الزند (ومن قبله المستشار محفوظ صابر) تمت إقالته بسبب زلة لسانه، وليس لأدائه المهني فهذا يعني أن الدولة تستخدم مع الشعب أسلوب "تطييب الخواطر" وليس تقييمًا لموظفيها أو حرصًا على مستوى الكفاءة.. وبالتالي حتى وإن كانت إقالته مطلوبة، إلا أنها ليست مصدرًا للارتياح النفسي أو استشعار الأمل في المستقبل، بالعكس تشعر بالقلق أكثر لأن سبب استبعاده خاص بطبيعة شخصيته التي ساعدت على اصطياده في خطأ غير متعمد (فهو أزهري، وصرح سابقًا بأنه ليس ضد تطبيق الشريعة الإسلامية، واعتذر عن هفوته كثيرًا، وبالتالي مستحيل أن يقصدها كعيب في ذات النبي أو تجريح في معنى ديني).. ومن هنا إقالته لا ترتبط بأخطاء وظيفية يترتب عليها مصائر ناس، وهنا قرارات الحكومة، ليست ناضجة أيضًا وتحتاج إلى مراجعة والتعامل بشكل احترافي على أساس أن المسئول موظف ولابد أن يستوفي متطلبات وظيفته.. دون اعتبارات ترضية لفصيل معين أو توجهات عقائدية ما.

2) من الضروري خضوع المرشحين لمناصب مهمة في الدولة، إلى الفحص النفسي أو على الأقل تأهليهم سيكولوجيًا.. هذا ليس عيبًا أو ينتقص منهم؛ نظرًا لأهمية الاتزان العاطفي والقدرة على التحكم في الانفعالات، والمرونة في التفكير، والذكاء الانفعالي، والقدرة على الحكم على الأمور، وسرعة اتخاذ القرار، وخلو الشخص من الأمراض التي تحول دون القيام بوظيفته.

3) بدلًا من البحث عن المستوى الاجتماعي والاقتصادي الذي لا يرتبط شرطيًا بنفسية أصحابه، على صناع القرار دراسة التاريخ العائلي للشخص، وطفولته النفسية، والأمراض التي مر بها هو أو أحد أفراد أسرته، والعقاقير التي يتناولها، ومستوى خطابه اللغوي، وتفاعله الاجتماعي واستعداده النفسي للإصابة بـ"متلازمة المناصب" أو "أمراض السُلطة"، ونوعية الكتب التي يقرأها (إن كان يقرأ)، فكلها تكشف عن شخصيته وجدارته بالمنصب المرشح له.

-كاتبة هذا المقال حاصلة على دكتوراه في علم النفس.


ملحوظة:
-----------------------------------
  -----------------------------------------

( زوروا موقعنا هنا cleopatra7a.blogspot.com هتلاقى كل حاجة عندنا ) 

----------------------------------

------------------------------------------

المصدر ahram

شارك الموضوع مع أصدقائك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق