الأربعاء، 23 مارس 2016

نوارة" عندما يكون حلم "الغلابة "طقم أكروبال.. وادخار مصاريف الدفنة .. و٢٠٠ ألف جنيه من ثروة مبارك


نوارة" عندما يكون حلم "الغلابة "طقم أكروبال.. وادخار مصاريف الدفنة .. و٢٠٠ ألف جنيه من ثروة مبارك


افيش فيلم « نوارة»

تحمل أناملها الضعيفة اثنين من جراكن المياه وسط ابتسامة مفعمة بالتفاؤل وإشراقة الصباح، وكأنها تهمس لأذنيها عبارة "هانت المواسير قربت تركب"، تطير كالفراشة خلف خطيبها على دراجته البخارية، نتوقع ذهابها في رحلة للتنزه لكنها كانت بداية لرحلة قاسية تتنقل فيها بين ثلاثة أو أربعة مواصلات من أجل الذهاب لـ "لقمة العيش".

انتصارها الأكبر تشاهده بعد عودتها للمنزل محملة بمرتب الشهر الذي تطمح من خلاله بشراء طقم الأكروبال ضمن "جهاز العروسة" بعد استقطاع مصاريف المنزل ومستلزمات جدتها.

"نوارة" ليس مجرد اسم يحمله عمل سينمائي، بل فتاة تعيش في كل حي بالقاهرة، تحلم مثل الآخريات بـ "عش الزوجية"، تحمل صفات جدعنة البنت المصرية الأصيلة، كلما حاولت مقاومة متاعب وهموم الحياة بالتفاؤل والتوكل على الله تلاحقها المصائب، تفاصيل إنسانية صاغتها هالة خليل، مخرجة الفيلم وكاتبته ليس بعينها كمبدعة ولكن برؤية مواطنة نزلت ضمن الملايين إلى ميدان التحرير بحثاً عن الرغبة " في العيش والحرية والعدالة الإجتماعية" إبان ثورة يناير.

اختارت هالة خليل في فيلمها "نوارة" موضوعاً شديد الذكاء والخصوصية، لم تذهب به إلى عرض الأراء المؤيدة والمعارضة للحالة الثورية والتي استهلكتها الأعمال الدرامية في فترة ما بعد الثورة، لكنها ربما طرحت دون أن تقصد أو حتى بقصد في معان خفية عدة تساؤلات من خلال حلم البسطاء الذين تعلقوا بأمل الحصول على نصيبهم من تركة النظام البائد، وربما يكون أهمها "أين حقوق الغلابة في العيش نحو حياة آدمية؟". 

في فيلم نوارة نحن إزاء عمل في حالة استثنائية خاصة في محتوى الكادر السينمائي وترتيب اللقطات التي تعكس لنا الفوارق الاجتماعية بين أصحاب "الجاه والمال" وآخرين من المعدومين والكادحين، فنرى مشهد جدة "نوارة" أثناء إعداد الطعمية والبطاطس للزبائن من داخل الغرفة التي يعيشون بها، تلك المهنة التي احترفتها الجدة لإدخار مصاريف دفنتها، وفي آخر نجد "نوارة" تطهو الفراخ واللحم والخضار الطازج لإطعام "بوتشي" الكلب الذي تمتلكه إحدى الآسر الغنية من قاطني "الكمبوند" الذي تعمل به. 

ومشاهد آخرى رصدتها مخرجة العمل أوضحت خلالها مدى الفجوة الاجتماعية التي أحدثها النظام البائد، بين من يستمتعون بنعيم "الماء" ما بين حمام سباحة للترفيه أو حوض الاستحمام في غرفهم الخاصة في الوقت الذي ينازع فيه أبناء حي كامل مع موظفي شركة المياه بعد نبأ رفع أسعار قسط مواسير المياه التي لم تدخل إليهم بعد، وربما أعادت لنا مخرجة العمل الفنانة رجاء حسين هنا في مشهد شديد الألم والوجيعة بتعبيرات وجهها ودموعها التي قالت من خلالها عبارة بكت فيها من تخوفها من وفاتها في يوم لا تجد فيه الحفيدة ماء تقوم بتغسيلها به.

على ما يبدو أن بطلة العمل النجمة منة شلبي تحمل إيماناً كبيراً ووفاءً لـ "نوارة" التي عاشت معها في أحلامها البسيطة، بداية من ارتدائها للسروال المهلهل من نهاية أرجله تعبيراً عن شقائه هو الآخر في رحلة العناء اليومية في الذهاب والعودة من العمل، مروراً بتلقائيتها في الحديث، أو نظرات عينها وابتسامتها الصافية والصادقة في التعبير عن الأحلام البسيطة كالزواج من الحبيب أو الانتهاء من قسط ماسورة المياه أملاً في التخلص من معاناة حمل جراكن المياه.

ويتجلى هنا ذكاء آخر للمخرجة في عدم إقحامها البطلة في فكرة نزولها للميدان وثورتها على الظلم بل إنها اكتفت بتلخيص فكرة العمل كاملة في حوار جمع بين "أسامه بك" صاحب الفيلا التي تخدم بها "نوارة" وأحد أعضاء البرلمان السابقين، يسأل فيها عن مدى سعادتها بحدوث الثورة، فترد "نوارة" بسذاجتها قائلة "والله يابيه لو الثورة دي هتخلينا نعيش زي البني آدمين أكيد هكون مبسوطة" كل ذلك موصول في الخلفية بأصوات نشرات الأخبار ما بين التحفظ على أموال الرئيس الأسبق حسني مبارك ونجليه أو القبض على رجل الأعمال فلان أو الأكذوبة الكبرى أن يمنح كل فرد في الشعب ٢٠٠ ألف جنيه.

وربما حظيت المخرجة بتوفيق آخر عندما اختارت النجم محمود حميدة، وشيرين رضا في أدوار الأرستقراطيين ليس لمجرد ملامحهم الشكلية التي تؤهلهم لذلك، لكن لأن الاثنين معاً قدما تركيبة كانت أكثر تقارباً مع الواقع حيث تزاوج الجاه والمال معاً بتقمص شديد، فالزوج هو رجل بسيط ويحمل قلب طفل مرح حتى إنه رغم رفضه لرغبات زوجته في مغادرة البلاد في البداية يرضخ لرغباتها.

التأملات في فيلم هالة خليل لا تنتهي، فقد لخصت أوجاع الكادحين في مشاهد "ماستر سين" لا يمكن إسقاطها من الذاكرة بعد المشاهدة، كمعاناة الفقراء في المستشفيات الحكومية وإلقاء بعضهم داخل دورات المياه، أو البحث عن نقطة مياه للحياة، أو مخاطرة هؤلاء الكادحين في الذهاب لأماكن عملهم التي جسدتا بمثابة سفرهم من محافظة إلى آخرى خلال أحداث الثورة في الوقت الذي يخشى فيه قاطنو الفيلل والقصور الخروج عن بوابة المنزل.

قد نختلف مع مخرجة الفيلم في عدم وجود تأثير للموسيقى التصويرية المصاحبة للأحداث والتي لم يكن لها دور إلا في مشهدين بالتقريب، خصوصاً وأن طبيعة مثل هذه النوعيات الدرامية الإنسانية تكون الموسيقى جزء أصيل منها، لكن يشفع للمخرجة هنا أمران أولها أنها أرادت إضفاء مزيد من الواقعية التي تجعل المشاهد لا ينفصل عن التحامه مع الأحداث التي تجعله يدخل في عالم البسطاء بروحه وعقله، وإن كانت هالة خليل استعاضت وجود الموسيقى أيضاً بخلفية المؤثرات الصوتية لنشرات الأخبار التي حملت معها كثيرا من وعود الحلم بالثروة طيلة أحداث الفيلم يسير جنباً إلى جنب مع البطلة.

فيلم "نوارة" بقصته الراقية التي لا تجعل هناك مللا من متابعتها خصوصاً وأن المشاهد لم يعد يطيق الرؤية أو الاستماع لأي حدث سياسي، وأحلامه الوردية البسيطة التي تعيش في قلوب الكادحين بحثاً عن الأهمية ليس أكثر، وتوحد أبطاله مع شخصياتهم، وكادرات تصويره التي نطوف معها في حارات القاهرة الضيقة، ومعمارها الحديث الذي طغى على المواد الإعلانية التلفزيونية أخيراً، وغيرها من التفاصيل التي ربما لن يكفي الحديث عنها في سطور أو قبل حصول الفيلم على فرصته العظمى من المشاهدة.. جميعها تستحق المشاهدة، والتأمل، والفخر لوجود نموذج يحتفى به في واقع سينما المخرج التي يراها بعينه من نظرة مجتمعه.


ملحوظة:
-----------------------------------
  -----------------------------------------

( زوروا موقعنا هنا cleopatra7a.blogspot.com هتلاقى كل حاجة عندنا ) 

----------------------------------

------------------------------------------

المصدر ahram

شارك الموضوع مع أصدقائك

-----------------------------------
  -----------------------------------------


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق